سُبحانه، حين اقتَضَتْ حكمتُه أن يُبصِّركَ لا أنْ يُبَلِّغكَ أنْ يُريكَ الأشياءَ كما هيَ، لا كما رغبتَ أن تكونَ سبحانه كيف يُؤنِّفكَ بما كنتَ ترغبُ حتى يصيرَ في عينيكَ مستقذراً وتأبى الأُسودُ ورودَ ماءٍ إذا كان الكلابُ ولغنَ فيه! سبحانه كيف يُزهِّدكَ بما كنتَ طامحاً فيريكَ عين اليقين كيف أنّ القلوب بين إصبعين من أصابعه سُبحانه كيف يُبدلكَ بالميل الزائغِ ثباتاً راسخاً وبالرغبةِ المستعرةِ إعراضاً قاسماً وبالاهتمامِ المبالغِ استتفاهاً بائناً سُبحانَه كيفَ يحيكَ لكَ عباءة الحوادث ليُلبسكَ من جديدٍ ثوب تقواه ويُرشدُكَ كيف تصلحُ سفينتكَ التي ثقبها النَّاسُ وهواك فتبحرُ بها من جديدٍ، آمناً مطمئناً، كأنه ما مسَّكَ من لغوب وليقيمَ الحُجّة عليكَ، أنتَ الذي راهنتَ دوماً على عملكَ، يريكَ أنها كانتْ رحمتُه لا بطولتك! سبحانه، كيف يريكَ حقاً دعاءً لهج به قلبُكَ في السُّجود، خرجَ مبللاً بدمع النَّدم: اللهمَّ اكفني بحلالكَ عن حرامكَ! سبحانَ من زهّدنا بالالتفات، وفهّمنا أن الضرب بالميت حرام، سبحان من رفّعنا عن الانتقام لأن الخصومة شرفٌ لا يستحقه الجميع! سُبحان من جعلهم صفحاتٍ تُطوى، وقبوراً تُردمَ سبحانَ من جعلَ الصّادقَ لا يُعوضُ، والكاذبُ لا يُذكر! سبحان من شغلنا بما يُحِبُّ، فانشغلنا! فلما رآنا لسنا للدنيا وليست لنا، أتى بها مرمية عند أقدامنا!