قصص وعبر

استيقظت أول أمس على مكالمة من الطواريء بسرعة الحضور لوصول شخص مذبوح. هرعت إلى هناك لأجد شابا مصريا حديث القدوم للمملكة جحظت عيناه و هو يلفظ أنفاسه بعد أن فقد معظم دمه نتيجة إصابة بصاروخ قطع الرخام أدت إلى قطع الجانب الأيمن من رقبته تماما بما في ذلك الشرايين و الأوردة الرئيسية التي تغذي المخ و التي تقطع عند الذبح و تؤدي لتصفية الدورة الدموية تماما في دقائق قليلة. دخلت لأجد فريق الطواريء يعمل على قدم و ساق في محاولة لتركيب كانيولات وريدية لإعطاء الدم و المحاليل بينما يضغط أحد الأطباء على الجرح لمنع النزيف. بنظرة مبدأية كان رأيي أن هذا إنسان ميت لا محالة إذا لا يمكن تعويض كمية الدم المفقودة بسرعة كافية لإبقاء المخ حيا لا سيما مع اختفاء الأوردة تماما و فشل عدة محاولات لتركيب كانيولات لكن قلت لنفسي إن الموت و الحياة لله و ليست لك فقط أد عملك. بعد وقت يسير فوجئت بنجاح الممرضات بتركيب كانيولتين و بدء تدفق الدم و المحاليل للدورة الدموية بأقصى سرعة ممكنة و من ثم بدأ الجرح ينزف حتى مع الضغط فقمت بربط الشرايين و الأوردة الرئيسية و نجحت بتوفيق الله في إيقاف النزيف مما زاد من فاعلية المحاليل و الدم المعطى و بدأ الضغط يصبح قابلا للقياس و النبض يصبح محسوسا و من ثم استطعنا وضع المزيد من الكانيولات و ضخ المزيد من الدماء و السوائل لم أصدق عيناي و أنا أرى المريض يتحرك استجابة للألم و حدقتا العين تستجيبان للضوء مما يدل على بقاء المخ حيا على الرغم من كل ما تعرض له من نقص التروية الدموية و هذا لأن أجل الرجل لم يحن بعد و لأن قدرة الله و حكمته و رحمته و تقديره فوق الأسباب و فوق ما نعلمه من علوم الطب. عادت العلامات الحيوية للمريض إلى الطبيعي تماما بعد ضخ كميات كبيرة من الدماء و السوائل الوريدية و تم وضعه على التنفس الصناعي و تنسيق نقله إلى الرياض لمستشفى أكبر و لديه تخصص جراحة الأوعية الدموية. لم أكتب هذا لأدعي لنفسي أي فضل فيما حدث فالفضل لله أولا و آخرا ثم لفريق العمل كاملا من أطباء و تمريض و فنيي بنك دم لم يدخروا جهدا لاسعاف المريض كأنه أحد ذويهم و ربما آت أنا في نهاية القائمة. لكن الغرض من كتابتي لهذا هو توبيخ للنفس التي قد تظن في وقت أنها تستطيع أن تميز من سيموت و من سيحيا لتصلها رسالة مفادها ألا تتكلم فيما ليس لك و انشغل بأداء ما عليك. د أحمد الشباسي

تم النسخ
احصل عليه من Google Play