شيخ بيحكي وبيقول: كنت قاعد في المسجد لاقيت راجل في عمر الخمسينات داخل بيبص حواليه وإيده بترتعش من الخوف، شوية وروحت قعدت جنبه لاقيته بيصلي ويعيط بشكل مش طبيعي لدرجة إني بدأت أقلق عليه! فضلت قاعد جنبه والفضول بيقولي: متسيبهوش غير لما تعرف حكايته خلص الصلاة وقام مسك المصحف وقرب ناحيتي! بصيتله باستغراب وفضلت مترقب حركاته وملامحه ومستنيه يتكلم عشان أعرف ماله! لاقيته فتح المصحف على خواتيم سورة البقرة وقالي: هي الآيات دي بتعمل إيه للإنسان! بصيتله بتعجب وقولت: اشمعنا الآيات دي! رد وقالي: أنا هحكيلك بس متستغربش! أنا كان عندي بنتي كانت مريضة سكر من وهي عمرها سنة واحدة ده غير إن مامتها ماتت بحُمّى الولادة. ولما كملت ست سنين جالها الضغط.. كبرت وكانت صبورة بشكل مش طبيعي، كنت ساعات بخاف تكون كاتمة جواها حزن يأثر على نفسيتها وتموت من السكوت فكنت بقرب منها وأقولها: طيب عيطي، أو أصرخي، قولي أي حاجة كانت تمسح على شعري وكأني ابنها وترد وتقولي: بس أنا كويسة ومفيش أي حاجة تعباني! كنت وقتها ببصلها وعيوني مليانة دموع وأقولها لا انتي بتكدبي! كانت تضحك بصوت عالي وتقولي: ايوه بكدب بس مخبيش عليك انا صابرة عشان الجنة تستاهل في مرة كنت سهرانة وبعيط يابابا فلاقيت شيخ بيقول في محاضرة جزاء أهل البلاء ووقتها ذكر حديث للنبي صلى الله عليه وسلم وكان الحديث بيقول: يوَدُّ أهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ حينَ يُعطَى أهلُ البلاءِ الثَّوابَ لو أنَّ جُلودَهم كانت قُرِضَت في الدُّنيا بمقاريضَ. وفي الحديثِ: فضلُ البلاءِ وأثَرُه في تكفيرِ الذُّنوبِ، وبيانُ أنَّه مِن شأنِ الصَّالحين يعني يوم القيامة لما الناس اللي كانت صحتها كويسة في الدنيا تشوف جزاء أهل المرض والبلاء يوم القيامة وتشوف جمال مكانتهم في الجنة هيتمنوا لو جلدهم كان يتقطع بمقص في الدنيا مقابل إنهم ينالوا الجزاء ده! وعاوزني انا بضعفي وغبائي أقول لربنا لا على قضائه؟ يمكن بلائي يبقى سبب نعيمي بعد كدا الحكاية كلها في الصبر بس. والله ياشيخ من بعدها عمري ما شوفتها بتعيط على حاجة. هتصدقني لو قولتلك إنها اتجوزت وحصلها جرح في رجليها كان سبب في بترها وزوجها طلقها وكانت برضو بتقول الحمد لله! وكنت كل ما بفوت على غرفتها أسمعها بتقرأ خواتيم سورة البقرة وتنام.. أنا سخرت حياتي ليها، ودفنتها بإيدي بعد ما المرض هلك جسمها انا مكنتش زعلان إني بخدمها.. ياريتها كانت دامت. الراجل كان بيحكي وجسمه كله بيتهز قبل قلبه، بياخد النفس بسرعة رهيبة، ودموعه كانت نازلة زي الشلال وقال: انا جاي أعرف منك فضل سورة البقرة ياشيخ عشان من يوم ما بنتي ماتت وانا بشوفها كل يوم على السرير بتقراها وكأنها عايشة وكل يوم بشوفها في الحلم لابسة تاج ورد أبيض وجنبها أنهار مية وبتقولي إنها مسبوطة محسيتش بنفسي غير وانا بحضن الراجل وبقوله: حديث عبد الله بن عباس وفيه: أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته. وفي الوقت ده حسيت إن الدنيا دي أقل من إن حد يزعل عليها. وأحقر من إن حد يستنى منها صحة أو فلوس أو سعادة. أصل السعادة الحقيقية هناك.. هنا مش مكاننا ❤ أزرع صبر وحسنات عشان تعرف تسكن في مكان كويس بعد كدا. قصة وعبرة