#قصه_طويله_ولكن_جميله اتخذ قوم شجرة ، صاروا يعبدونها .. فسمع بذلك ناسك مؤمن بالله ، فحمل فأساً و ذهب إلى الشجرة ليقطعها .. فلم يكد يقترب منها حتى ظهر له حائلاً بينه و بين الشجرة ، وهو يصيح به : مكانك أيها الرجل !! لماذا تريد قطعها ؟! - لأنها تضل الناس - و ما شأنك بهم ؟؟ دعهم في ضلالهم!! - كيف أدعهم .. ومن واجبي أن أهديهم؟؟ - من واجبك أن تترك الناس أحراراً ، يفعلون ما يحبون. - إنهم ليسوا أحراراً ..إنهم يصغون إلى وسوسة الشيطان. - أو تريد أن يصغوا إلى صوتك أنت؟! - أريد أن يصغوا إلى صوت الله . - لن أدعك تقطع هذه الشجرة . - لا بد لي من أن أقطعها . فأمسك إبليس بخناق الناسك .. و قبض الناسك على قرن الشيطان .. و تصارعا طويلاً .. إلى أن انجلت المعركة عن انتصار الناسك .. فقد طرح الشيطان على الأرض و جلس على صدره و قال له : - هل رأيت قوتي ؟؟ فقال إبليس المهزوم بصوت مخنوق: - ما كنت أحسبك بهذه القوة ..دعني و افعل ما شئت . فخلى الناسك سبيل الشيطان .. و كان الجهد الذي بذله في المعركة قد نال منه .. فرجع إلى صومعته و استراح ليلته .. فلما كان اليوم التالي حمل فأسه ، و ذهب يريد قطع الشجرة ، و إذا إبليس يخرج له من خلفها صائحاً : - أعدت اليوم أيضاً لقطعها؟! - قلت لك لابد لي من أن أقطعها . - أو تظنك قادراً على أن تغلبني اليوم أيضاً ؟؟ - سأظل أقاتلك حتى أعلي كلمة الحق. - أرني إذن قدرتك !! و أمسك بخناقه .. فأمسك الناسك بقرنه .. و تقاتلا و تصارعا إلى أن أسفرت الموقعة عن سقوط الشيطان تحت قدمي الناسك .. فجلس على صدره و قال له: - ما قولك الآن في قوتي؟! - حقاً إن قوتك لعجيبة ، دعني و افعل ما تريد .. لفظها الشيطان بصوته المتهدج المخنوق .. فأطلق الناسك سراحه .. و ذهب إلى صومعته و استلقى من التعب و الإعياء حتى مضى الليل و طلع الصبح فحمل الفأس ، و ذهب إلى الشجرة .. فبرز له إبليس صائحاً فيه : - ألن ترجع عن عزمك أيها الرجل ؟! - أبداً لابد من قطع دابر هذا الشر . - أتحسب أن أتركك تفعل ؟! - إن نازلتني فإني سأغلبك .. فتفكر إبليس للحظة .. و رأى أن النزال و القتال و المصارعة مع هذا الرجل لن تتيح له النصر عليه .. فليس أقوى من رجل يقاتل من أجل فكرة أو عقيدة .. ما من باب يستطيع إبليس أن ينفذ منه إلى حصن هذا الرجل غير باب واحد : الحيلة .. فلتطف للناسك و قال له بلهجة الناصح المشفق : - أتعرف لماذا أعارضك في قطع هذه الشجرة ؟! إني ما أعارض إلا خشية عليك و رحمة بك .. فإنك بقطعها ستعرض نفسك لسخط الناس من عبادها .. مالك و هذه المتاعب تجلبها على نفسك؟؟ اترك قطعها و أنا أجعل لك في كل يوم دينارين تستعين بهما على نفقتك و تعيش في أمن و طمأنينة و سلامة !! - دينارين ؟! - نعم .. في كل يوم تجدهما تحت وسادتك . فأطرق الناسك مليا يفكر ، ثم رفع رأسه و قال لإبليس : - ومن يضمن لي قيامك بالشرط ؟؟ - أعاهدك على ذلك .. و ستعرف صدق عهدي . - سأجربك . - نعم جربني . - اتفقنا . و وضع إبليس يده في يد الناسك ، وتعاهدا ، و انصرف الناسك إلى صومعته و صار يستيقظ كل صباح ، و يمد يده و يدسها تحت وسادته فتخرج بدينارين .. حتى انصرم الشهر .. وفي ذات صباح دس يده تحت الوسادة فخرجت فارغة .. لقد قطع إبليس عنه فيض الذهب .. فغضب الناسك ، و نهض فأخذ فأسه ، و ذهب إلى قطع الشجرة .. فاعترضه إبليس في الطريق ، وصاح فيه : - مكانك !! إلى أين ؟؟ - إلى الشجرة أقطعها . فقهقه الشيطان ساخراً : - تقطعها لأني قطعت عنك الثمن!! - بل لأزيل الغواية و أضيء مشعل الهداية . -أنت ؟! - أتهزأ بي أيها اللعين ؟! - لا تؤاخذني .. منظرك يثير الضحك . -أنت الذي يقول هذا ، أيها الكاذب المحاتل !؟ و انقض الناسك على إبليس وقبض على قرنه .. و تصارعا لحظة .. و إذا المعركة تنجلي عن سقوط الناسك تحت حافر إبليس .. فقد انتصر و جلس على صدر الناسك مزهواً مختالاً يقول له : - أين قوتك الآن أيها الرجل ؟! فخرج من صدر الناسك المقهور صوت كالحشرجة يقول : - أخبرني كيف تغلبت أيها الشيطان ؟! فقال له إبليس : - لما غضبت لله غلبتني ، و لما غضبت لنفسك غلبتك .. لما قاتلت لعقيدتك صرعتني ، ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك !!.