ثراء الفقراء قرأتُ مرة أن رجلاً ثريّاً أراد أن يُعَلِّمَ ابنه قيمة ما يعيش فيه من نعيم ورفاهية، وما يعيشه الفقراء من ضيق وكَرْب، فأخذه في رحلة إلى الريف، وهناك استضافتهما أسرة فقيرة تعيش في مزرعة متواضعة، ومَكَثَا في ضيافة الأسرة أياماً يعيشان عيشتهم بكل تفاصيلها. وحين شعر الأب أن ابنه عرف الفرق بين حياة النعيم وحياة الشقاء استأذن للمسير، وفي الطريق سأل ابنه: ما انطباعك عن عيشة الفقراء؟ الابن: عِيشة هانئة هادئة مفعمة بالحياة والشغَف. الأب في دهشة: كيف تقول ذلك؟! الابن: لقد لحظتُ أننا نملك قصراً كبيراً موحشاً وهم يملكون بيتاً صغيراً مُؤْنِسا، ونحن لا نلتقي في قصرنا إلا نادراً وهم مجتمعون دائما، ونحن لدينا بركة ماء وهم لديهم جدول ممتد، ونحن لدينا مصابيح تضيء سقفنا وهم لديهم نجوم تضيء سماءهم، ونحن نأكل طعامنا المجمَّد وهم يأكلون ما ينتجون، ونحن لدينا خدم يخدموننا بمقابل وهم يَخدم بعضُهم بعضاً بحُب، ونحن لدينا حوائط تحمينا وهم لديهم جيران يحمونهم، ونحن نراجع العيادات النفسية وهم أصِحّاء النفسية... ظل الأب صامتاً لا يدري ما يقول، ثم ختم الابن مقارنته بقوله: شكراً لك يا أبي لأنك عَلّمْتَني معنى الثراء، وأريتَني كم نحن فقراء.