قصص وعبر

     يُحكى أنّه كان هناك شاب، عرف أن رجلًا حكيمًا يعيش فوق جبل بعيد، فرغب بشدّه أن يذهب إليه؛ ليتعلّم منه كيف يتحكّم في أعصابه.   فسافر إليه، ووصل إلى منزله بعد مشقة شديدة، وبلهفة أخذ يطرق الباب، وبعد وقت طويل فتحت سيدة عجوز الباب، وطلبت منه أن ينتظر حتى تُخبر الحكيم، وظل الشاب منتظرًا خارج الباب ثلاث ساعات، وبدأ يشعر بغضب شديد، وفجأة فُتح الباب مرة ثانية، وطلبت منه السيدة أن يتفضّل بالدخول، وأخبرته أن الحكيم سيقابله حالا، لكن الحكيم لم يحضر إلا بعد مرور ساعة، وكان الشاب قد وصل إلى قمّة الغضب!   تقدّم الحكيم للشاب، وجلس بجانبه، وبهدوء شديد سأله: هل تُحب أن تشرب شايًا؟ فقال الشاب بغضب: تركتني كلّ هذا الوقت انتظر مقابلتك، ثم بهدوء تسألني إن كنت أريد شايا! فقال له الحكيم مرة أخرى: أتُحب أن تشرب شايا؟ فلمّا رآه الشاب مصرًا، قال له: هات الشاي. فأحضرت له السيدة الشاي في إبريق كبير، فقال الحكيم: أتُحبّ أن أصبّ لك الشاي؟ قال الشاب بغيظ: تفضّل، فأخذ الحكيم يصبّ الشاي، واستمرّ بصبّه حتى خرج من الفنجان، وسال على الطاولة كلها. فانفجر الشاب غاضبًا، ووقف وقال: ما الذي تفعله معي، هل أنت مجنون؟! فنظر إليه الحكيم، وقال: انتهى الاجتماع اليوم، تعال إليّ عندما يكون فنجانك فارغًا. ثم تركه وذهب. فبدأ الشاب يدرك أن هناك مغزى من تصرفات الحكيم لم يدركها، وقال في نفسه: لقد بذلت جهدًا كبيرا لأصل إليه، لابدّ أن أتعلّم منه، وأغير أسلوب تعاملي معه. فلحق بالحكيم وقال: أعتذر بشده عن غضبي، لقد جئت إليك من مكان بعيد، من فضلك علمني شيئا مفيدا. فردّ عليه الحكيم: لكي تستطيع العيش في الدنيا بطريقة إيجابية، عليك أن تلاحظ فنجانك، قال الشاب: ما معنى ذلك؟ قال الحكيم: عندما تركتك تنتظر خارج البيت ثلاث ساعات كيف كان شعورك؟ - في البداية كنت سعيدًا، لأنّي سأقابلك أخيرًا، ثم مع طول الانتظار بدأت أغضب شيئًا فشيئًا. - وكيف كان شعورك عندما تركتك تنتظر ساعة أخرى داخل المنزل؟ - غضبت أكثر. - وعندما صببت الشاي في الفنجان، هل من الممكن أن نصب في الفنجان قدرًا أكبر من حجمه؟ - لا. - إذن ماذا حدث عندما استمرّ صبّ الشاي في الفنجان؟ - سال الشاي على الطاولة كلها. - وهذا بالضبط ما حدث لمشاعرك، جئت إلينا بفنجان فارغ، فملأناه إلى أن بدأ يطفح، وهذا يسبب لك أمراضًا، فلو أردت أن تعيش سعيدًا في حياتك فعليك أن تلاحظ فنجانك، ولا تسمح لأحد بإن يملأه لك بغير إذنك. - فهمت الآن، وسأحرص أن يكون فنجاني فارغا، واملأه بمشاعر إيجابية متزنة، تساعدني على أن أعيش حياة أفضل. قال الحكيم: ما دمت قد تعلمّت فسننهي الاجتماع، والآن ادفع لي حسابي ألف دولار. نظر إليه الشاب مشدوهًا، وامتلأ فنجانه مرة ثانية.

تم النسخ
احصل عليه من Google Play