يُحكى أن إمرأة مات عنها زوجها، فأصابها وابنتيها بعده الفقر والقلة.. طلب منها صاحب الدار الإيجار، فعجزت، فأخرجها من الدار، فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوفًا من شماتة الأعداء.. كان البرد قارسًا، فلما دخلت تلك البلدة أدخلت بناتها في مسجد مهجور، ومضت تحتال لهم على القوت.. فمرت برجل مسلم وقور، هو شيخ هذه البلد، شرحت حالها له، وقالت: أنا امرأة غريبة، ومعي بنات أيتام أدخلتهم مسجدًا مهجورًا في مدخل البلد، وأريد الليلة قوتهم. فقال لها: هاتي لي دليل على صدق قولك! فقالت له: أنا امرأة غريبة، ولا أحد في البلد يعرفني! فأعرض عنهافمضت من عنده منكسرة القلب، وفي طريقها قابلت رجلًا مسن، فشرحت له حالها، وقصت عليه ما جرى لها مع الشيخ، فقام الرجل، وأرسل معها بعض نسائه، وأتوا بها وبناتها إلى داره، فأطعمهن أطيب الطعام، وألبسهن أفخر اللباس، وباتوا عنده في نعمة وكرامة.. فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت وقد عقد اللواء على رأس النبي ﷺ، وإذا بقصر من الزمرد الأخضر، شرفاته من اللؤلؤ والياقوت، وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان، فسأل الشيخ رسول الله ﷺ: لمن هذا القصر! قال: لرجل مسلم موحد فقال: يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد! فقال له ﷺ: هات دليل على صدق قولك!، لما قصدتك امرأة مسكينة قلت لها: هاتي دليل على صدق قولك، فكذا أنت، هات دليل على صدق قولك!. فانتبه الرجل من نومه حزينًا على رده المرأة، ثم جعل يطوف بالبلد ويسأل عنها..حتى دل عليها أنها عند الرجل النصراني، فذهب إليه وقال: أريد منك المرأة التي أتتك بالأمس وبناتها! فقال: ما إلى هذا من سبيل، وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني! قال الشيخ: خذ مني ألف دينار، وسلمهن إلي! فقال النصراني: لا أفعل! فقال الشيخ: بل لا بد أن تفعل!! فقال النصراني: الذي تريده أنت أنا أحق به، والقصر الذي رأيته في منامك خلق لي، فوالله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد هذه المرأة، ورأيتُ مثل الذي رأيتَ في منامك، وقال لي رسول الله ﷺ: المرأة وبناتها عندك! قلت: نعم يا رسول الله قال: القصر لك ولأهل دارك! فانصرف الشيخ وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله.. *الحكمــــه* بركة الإحسان إلى الأرامل والأيتام تعقب صاحبها من الكرامة في الدنيا والآخرة!. المصدر/ كتاب الكبائر للإمام الذهبي