مقاصد سورة الفاتحة الخمسة اشتملت سورة الفاتحة على أهم مقاصد القرآن الكريم على وجه الإجمال، ثم فصل ما أجملته في القرآن كله؛ فقد اشتملت الفاتحة على التوحيد والعبادة وطلب الهداية، والثبات على الإيمان، وفيها أخبار وقصص الأمم السابقة، وفيها معارج السعداء ومنازل الأشقياء، وقد نزل القرآن لبيان حقوق الخالق على خلقه، وحاجة الخلق إلى خالقهم، وتنظيم الصلة بين الخالق والمخلوق. وهذه جملة المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم، بل التي جاءت بها الكتب السماوية والشرائع الإلهية جميعًا: في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بيان لحقوق الله تعالى على خلقه. وفي اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ تنظيم للصلة بين المخلوق والخالق. وفي طلب الهداية بمناجاة العبد ربه قائلًا: اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ بيان لحاجة الخلق إلى خالقهم. وفي غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ إشارة إلى جميع طوائف المبطلين الخارجين عن الصراط المستقيم، وبيان أسباب هذا الخروج، وهي لا تتعدى الغضب عليهم، أو وقوع الضلال منهم. وبهذا استحقت الفاتحة أن يطلق عليها «أم القرآن» بل «القرآن العظيم». وقبل الإشارة إلى حقوق الخلق والخالق، وتنظيم الصلة بين العباد ورب العباد قررت السورة توحيد الله تعالى، واستحقاقه لهذه العبادة وحده دون سواه. وبينت سورة الفاتحة أن الناس محاسبون ومجزون على أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. اشتمالها على جميع ما جاء في القرآن الكريم: والفاتحة متضمنة لمجمل ما فصل في القرآن الكريم: 1- فالإشارة إلى توحيد الألوهية جاءت في لفظ الجلالة اللهِ . 2- والإشارة إلى توحيد الربوبية جاءت في لفظ رَبِّ الْعَالَمِينَ . 3- والإشارة إلى الأسماء والصفات وجميع صفات الكمال جاءت في آية الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ ولفظ (الحمد). 4- والإشارة إلى اليوم الآخر، وما فيه من عدل وفضل، وما فيه من بعث وحشر ونشر، وحساب وجزاء، جاءت في آية مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . 5- والإشارة إلى كافة أنواع العبادات والإخلاص فيها جاءت في آية إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . 6- والإشارة إلى إثبات النبوات، وغلى قصص الأنبياء والمرسلين والصالحين، وإلى إثبات صفة القدر، وأن العبد حر مختار، والرد على أهل البدع والضلال، جاء ذلك في قوله سبحانه: اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . 7- وجاء الحث على السير على نهج الأنبياء والصالحين والاهتداء بهديهم في قوله جل شأنه: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ . 8- والحديث عن أهل الكتاب وأهل الزيغ والضلال، جاء في نهاية السورة: غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ . وعلى هذا ففي سورة الفاتحة خمسة مقاصد: المقصد الأول: توحيد الله سبحانه: اشتملت السورة على التعريف بالمعبود جل في علاه، على توحيد الخالق سبحانه، وتضمنت سورة الفاتحة خلاصة وجيزة لعقائد الإسلام، واجتثاث جذور الشرك التي كانت فاشية في الأمم، ومقتضى ذلك توحيد العبادة، والتوجه بها إلى الله سبحانه، فهو جل شأنه المعبود بحق دون سواه، يرشد إلى ذلك قوله تعالى الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . ففيها تعليم وإرشاد إلى كيفية التمجيد والثناء والحمد لله تعالى، ولا يكون ذلك إلا عن نعمة، وأهمها نعمة الخلق والإيجاد، ومن كان كذلك فهو جدير بالعبادة وحده؛ ولذلك فقد اشتملت السورة على ثلاثة أسماء لله تعالى، هي مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا، وعليها مدارها، وهي: (الله، الرب، الرحمن). والحمد يتضمن الاعتراف بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات وتوحيدها...إلخ. وربوبيته سبحانه لخلقه ليست مبنية على القهر والجبروت، بل مبنية على الرحمة، فهو سبحانه الرحمن الرحيم، وهذا بيان لحقيقة العلاقة بين الله تعالى وبين خلقه، وأنها مبنية على الرحمة التي تغمر الخلائق كلهم، وبخاصة العبد المؤمن. وقد فصل القرآن الكريم جانب التوحيد، ونهى عن الشرك في عشرات السور منه، واعتنى بذلك أيما عناية، حيث كان التوحيد هو المهمة الأساس في الفترة المكية، وهي أطول مدتي الرسالة. المقصد الثاني: الإيمان باليوم الآخر: واشتملت السورة على أهم أركان الإيمان، بعد الإيمان بالله تعالى؛ وهو إثبات المعاد والجزاء على الأعمال، والإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وسؤال وحشر ونشر وحساب وجنة ونار، وغير ذلك مما فصله القرآن الكريم في العديد من السور والآيات، لاسيما القرآن المكي، الذي يُعنى بغرس العقيدة في النفوس أولًا، في مثل جزأي (عم وتبارك). وإذا كان في الدنيا نوع من التقاضي بين الناس، وألوان من الجزاء على الأعمال، فإن الله سبحانه هو المتفرد بالحكم العادل يوم القيامة، وهو سبحانه ملك هذا اليوم ومالكه.