تقول: قبل أسبوعين من زفافي أخبرتني والدة خاطبي عن الغاء الخطوبة، لم أفهم سبب الالغاء المفاجئ، فقد كان كل شيء يسير على مايرام، فسألتهم عن السبب فلم تشأ إخباري وبعد إصرار متواصل قالت بكل تردد قال أنك لست جميلة، ولا يمكن أن يتزوج ابني امرأة ليست جميلة. قبل أسبوعين من الزفاف فقط أدرك أني لست جميلة! بعد كل ما جهزته، كل ما ضحيت به، كل ما حلمت به وتمنيته بدوت له غير جميلة! ماذا سأقول لوالدي، لأهلي، لصديقاتي وجيراني، لقد انهى كل شيء لأني لست جميلة! لا يمكنني قول هذا مطلقا، لا أقدر! ألم يكن ينبغي عليه قول هذا بداية!؟ لماذا انتظر حتى اليوم؟ لكن هل أنا حقا كما يقوله، هل حقا أنا لست جميلة!؟ جلست أمام المرآة طويلا أتفرس ملامح وجهي وتفاصيله بحثا عما ينفي قوله، عما يعارض فكرته، عما يزيل هذه العبارة من ذاكرتي ويمحوها نهائيا، فلمحت كل ما فيا منطفئا، لا لمعة العيون ولا ضحكتها، لقد انطفأت فجأة وكأني لم أتوهج يوما.. بكيت كثيرا يومها، تألمت، وغضبت أكثر لدرجة كدت أكسر فيها المرآة، لكن ما ذنبها لأفعل، ماذنب الذين نصادفهم لحظة الغضب، فيتحملون عنا ما لم نستطع نحن تحمله، فقمت باخفائها داخل الدرج في مكان بعيد حتى لا أراها مجددا، أو بالأحرى حتى لا أرى انطفائي ولا ألمح لجمالي المنعدم أثرا! مضت ثلاثة أشهر لم أعرف كيف ابتسم فيها، حتى لو كان الأمر مليئا بالضحك لا أضحك، فداخلي بات فارغا من كل شيء مفرح، فلم أعد أهتم بجمالي ولا بمحاولة تحسينه، حتى في المناسبات لم أعد أضع من المساحيق إلا قليلا فقط، وكأني استسلمت تماما لفكرة كوني لست جميلة واقتنعت تماما بها، ولم يعد هناك داع لأزيد منه، أحسست أنه لا توجد مساحيق في العالم يمكن ان تجعلني أجمل.. إلى ان قبضت أول منحة للجامعة، فسررت وأنا اخفيها داخل حقيبتي، ليس فرحا بمقدارها بقدر فرحتي في اقتناء أغراض لوالدي، فهما يستحقانها أكثر مني، اشتريت لهما ما استطعته، وما ان وصلت ناديت على أمي بلهفة حتى وصلت غرفتها، فقدمت الأكياس لها وقلت هذه لك وهذه لوالدي، وقبل ان تدرك أمي ما بداخلهما احتضنتني وتشكرتني ودعتلي كثيرا، فقلت ضاحكة انت لم تفتحيها بعد!؟ على ماذا تشكرينني!؟ ، فقالت تكفيني عبارة هذه لك ، المهم أنك تذكرتنا ولو بشيء بسيط، الحمد لله الذي عشت ورأيتك في الجامعة تقبضين أول منحة لك. لم أفهم سبب فرح أمي المبالغ فلم أقصر معهما يوما، لكن بمجرد وقوع عيني على مرآة غرفتها أدركت سبب فرحتها ذاك، فبعد كل تلك الأشهر التي مضت أخيرا هناك ما يجعلني ابتسم، ما يجعلني اضحك، هناك أخيرا ما يجعلني أركض في البيت فرحا كالطفلة التي كنت عليها سابقا، أخيرا بعد كل ذلك البعد والضياع قد عدت! حينها أدركت أن لاشيء في العالم يعادل ضحكة أمي وفرحتها، فصنعت من فرحتها شغفا لي أحيا به، ورضاها هدفا أعيش من أجله، ومع هذا ظلت هناك حلقة مفقودة، فأمي كغيرها من الأمهات تريد إيجاد عريس لي بأي ثمن، فكلما سألتها إحداهن عني اتتني مسرعة لتزف الخبر، فأجيبها بالرفض دون معرفته حتى! لم أكن افعل هذا لأن المتقدم غير مناسب، بل لأنه لم يرني بعد، ماذا لو رآني وقال عني لست جميلة أيضا!؟ لقد أخذ مني الأمر ثلاث شهور حتى تجاوزته، فكيف بسماعها مجددا! لن أجازف، لن اوافق، لن أهتم، ولا تجلبي لي عريسا مجددا لأني مهتمة فقط بدراستي ولن أتزوج حتى أنهيها. _ لا تتزوجي إذن وابقي حبسية غرفتك هذه. هذا ما قالته أمي قبل انصرافها، فقلت في نفسي: _ حبيسة غرفتي! ليت الأمر كان كذلك، فغرفتي أكثر مكان يريحني من أذى العالم، لكن ما يقيدني هو أمر آخر تماما، ما يقيدني موجود داخلي، ولا يمكنها معرفته فأنا لم أخبر أحدا عنه، فلا أحد يعلم ماذا يعني ان يُحبس الانسان داخل فكرة إلا من حبس داخلها هو ايضا، كأن يحبس داخل كلمة الغبي، الأحمق، الفاشل الذي لا يصلح لشئ، خصوصا حين تقال له أمام غيره، سيحزن كثيرا، فينكر الجميع ذلك دعما له، لكن صوته الداخلي يراها مجرد مجاملة لا أكثر ولا أقل، وبمرور الوقت سيعيش داخل تلك الفكرة ويحبس داخلها ولن يستطيع الخروج منها بسهولة! لم اشأ اخبار أمي بكل هذا لأنها قد لا تفهم، قد تدخلني في متاهة أخرى دون قصد، فادعيت أني لن اتزوج حتى انهي كل سنوات دراستي.. ومضت السنة الاولى والثانية حتى بلغت السنة الثالثة والأخيرة، فذهبت لمركز البريد حتى اقبض آخر منحة جامعية لي، فتذكرت قبض اول منحة وكيف كانت حالتي يومها وكيف تغيرت فجأة، ابتسمت وأنا استرجع فرحة والدي بي لحظة التخرج، كان أجمل ما حصل معي مذ ولادتي. كل هذا ظل يجول في مخيلتي وأنا انتظر قدوم والدي لاصطحابي، فقد كان يوما ماطرا واقترح مرافقتي والعودة الي بعد قضاء بعض أموره، فلمحت سيدة بعمر أمي، تبدو من هيأتها امراة ذات منصب، كانت تنتظر مثلي، ابتسمت لي فبادتلها البسمة، قلت في نفسي لعلها تنتظر زوجها هي أيضا تحت هذا المطر..