فباشرت الاتصال بوالدي مرارا بغية معرفة مكانه، وكانت تفعل هي الأمر نفسه، لكن الغريب أنها ظلت تحوم حولي، لم انتبه للأمر بداية، لكن ما لبثت ان شعرت بذلك، حتى أكدت شكوكي حين اقتربت وسألتني هل أنت متزوجة، مخطوبة!؟ فاجأني سؤالها فقلت كلا ابتسمت وقالت: هل توافقين لو قلت أن هناك عريسا لك، خلوق طيب، مجتهد في عمله، عاش يتيما لكلا ابويه، كرس حياته لبناء نفسه دون الاعتماد على غيره، يملك منزلا منفردا متواضعا بناه بشقاءه، كل ما يريده امرأة تعوضه عن فقدانه لهما، فتكون هي كل عائلته. هو يشتغل معي في نفس المكان ولولا ثقتي فيه لما أخبرتك، فمثلما أراه كإبن لي، أراك أيضا مثل ابنتي. بدت امرأة طيبة، وبدا كلامها عنه مريحا، ولو أن فتاة أخرى مكاني لما رفضت، لكن تلك القيود الخفية داخلي عادت مجددا لتجعلني أتراجع، ماذا لو لم أعجبه، ماذا لو لم يرني جميلة هو الآخر! سأرفض هذه المرة أيضا، لن أوافق! وقبل ان انطق بشىء ابتسمت وقالت: انظري، انه هناك، اتعلمين عندما حدثني عنك قلت في نفسي من هذه المحظوظة التي ستكون من نصيبه فقد اشتغل معنا منذ سنوات وكون نفسه بنفسه، وكل خوفه ان لا يجد من تقدر تعبه، لكن بمجرد رؤيتك ادركت صحة قوله، ففتاة ببساطتك وهدوئك وجمالك الطبيعي لخصها هو في عبارة واحدة، اتعلمين ماذا قال لي عنك؟ _ماذا _ قال أنك من النوع النادر الذي لم يعد يراه خارجا. _حقا، وكيف يعرفني!؟ _ يعرفك، ويعرف تاريخ موعد قبضك لمنحتك، وهو نفس تاريخ قبضنا لرواتبنا نحن، لكنك تأخرت لثلاث أيام هذه المرة حسب قوله، وقد انتظرناك في كل صباح منها حتى اتيت.. ظلت كلماتها تتردد في مخيلتي، لأول مرة ادرك ان السجن ليس دوما شعورا سيئا كما كنت اظن، بل يمكن ان يسجن المرء كونه شخصا نادرا لا يستحقه إلا من يقدره، فبعد ظني أني مسجونة داخل عبارة ناقصة انت لست جميلة، اكتشفت ان العبارة الكاملة هي انت لست جميلة فقط، بل انت جوهرة نادرة لا ينالها الا شخص واحد يعرف قيمتها وها قد ظهر ذلك الشخص في حياتي أخيرا وكسر كل القيود التي لم اعرف لها سبيلا... لم أعرف كيف أخبر أمي بالأمر، فحتى موعد قدومه كان بعد انهاء دراستي كما كنت أتحجج لأمي ولست مضطرة لأي شرح او تبرير، سأخبرها وفقط، فاكتفيت باحتضانها دون الشعور بالدموع وهي تملأ وجهي، فابتسمت أمي وقالت: غريب، كنت تصرين على الرفض واليوم ارى دموع الفرح عليك فبادلتها البسمة وانصرفت لغرفتي، وفي هدوء لافت اخرجت المرآة المنسية من الدرج وأخذت انظر لملامحي المبتسمة والنادرة بعد ثلاث سنوات مضت، فقلت: ليست دموع الفرح يا أمي، فلا يمكن ان يرتبط الفرح بالدموع مطلقا، بل هي دموع الراحة بعد التعب، الهدوء بعد الضجيج، الحرية بعد الأسر، فالحرية الحقيقية ليست حرية جدران أو اغلال فقط، بل هي حرية مشاعر أيضا، فقد تكون سعيدا حتى وأنت في أضيق مكان في العالم كحضن أمك، وقد تكون حزينا في أوسع مكان كهذا العالم الشاسع وأنت دونها..♡ #سميحةبولبروات #بعد_ثلاث_سنوات