الحرية ليست دائمًا في كسر القيد، بل أحيانًا في اختياره والالتزام به. فالإنسان لا يبلغ نضجه حين يفعل ما يشاء، بل حين يُدرك ما لا ينبغي له أن يفعله. ولهذا… قد يختار الإنسان أن يُقيّد نفسه: بمبدأٍ يرفض أن يخونه، أو قيمةٍ لا يريد أن يُفرّط بها، أو عهدٍ قطعه على نفسه، ولو كان يكلفه الكثير. يُقيّد نفسه بالصلاة كل يوم، وبالصدق في مواضع المغنم، وبالوفاء حين يغريه البديل، وبالحب حتى وإن غلب الجفاء. لأن هذه القيود، ليست سلاسل تحبسه، بل إحداثياتٌ تقيه من الضياع. يقول الفيلسوف “فيكتور فرانكل”: “لا معنى للحرية، ما لم تكن حرية في أن تختار الانضباط.” فالحرية التي لا يوجّهها التزام… تتحول إلى فوضى، وتتحول الخيارات المفتوحة إلى عبء لا يُحتمل. إنه لا يخاف الحرية… بل يعرف أن الحرية المطلقة تُتخم الروح وتفرّغها من المعنى. وأن من لا يُقيد نفسه بشيء، يُقيّده كل شيء، وأن من لا يملك شيئًا يستحق أن يُضحّي لأجله، لن يعرف يومًا طعم الحياة. فالاختيار الواعي أن تكون مقيدًا، ليس نقصًا في الإرادة، بل نضجٌ في استعمالها.