قصص وعبر

ويقال: إن عمرو بن عبيد أنشد المنصور قصيدة في موعظة إياه وهي قوله: يا أيها الذي قد غره الأمل ودون ما يأمل التنغيص والأجل ألا ترى إنما الدنيا وزينتها كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحلوا حتوفها رصد وعيشها نكد وصفوها كدر وملكها دول تظل تقرع بالروعات ساكنها فما يسوغ له لين ولا جذل كأنه للمنايا والردى غرض تظل فيه بنات الدهر تنتقل ✨🤍 تديره ما تدور به دوائرها منها المصيب ومنها المخطئ الزلل والنفس هاربة والموت يطلبها وكل عسرة رجل عندها جلل والمرء يسعى بما يسعى لوارثه والقبر وارث ما يسعى له الرجل ومن شعره لما عزم على قتل أبي مسلم: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن يترددا ولا تمهل الأعداء يوما لغدرة وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا ✨🤍 ولما قتله ورآه طريحا بين يديه قال: قد اكتنفتك خلات ثلاث جلبن عليك محتوم الحمام خلافك وامتناعك من يميني وقودك للجماهير العظام وقال لابنه لما ولاه العهد: يا بني ! ائتدم النعمة بالشكر، والقدرة بالعفو، والنصر بالتواضع، والتألف بالطاعة، ولا تنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله. 🤍✨ ولما عزم المنصور على الحج في هذه السنة دعا ولده المهدي فأوصاه في خاصة نفسه وبأهل بيته وبسائر المسلمين خيرا، وعلمه كيف تفعل الأشياء وتسد الثغور، وأوصاه بوصايا يطول بسطها وحرج عليه أن لا يفتح شيئا من خزائن المسلمين حتى يتحقق وفاته فإن بها من الأموال ما يكفي المسلمين لو لم يجب إليهم من الخوارج درهم عشر سنين، وعهد إليه أن يقضي ما عليه من الدين وهو ثلاثمائة ألف دينار، فإنه لم ير قضاءها من بيت المال. فامتثل المهدي ذلك كله. وأحرم المنصور بحج وعمرة من الرصافة وساق بدنه وقال: يا بني ! إني ولدت في ذي الحجة وقد وقع لي أن أموت في ذي الحجة، وهذا الذي جرأني على الحج عامي هذا. وودعه وسار واعتراه مرض الموت في أثناء الطريق فما دخل مكة إلا وهو ثقيل جدا، فلما كان بآخر منزل نزله دون مكة إذا في صدر منزله مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم. أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت سنوك وأمر الله لابد واقع أبا جعفر هل كاهن أو منجم لك اليوم من كرب المنية مانع فدعا بالحجبة فأقرأهم ذلك فلم يروا شيئا فعرف أن أجله قد نعي إليه. قالوا: ورأى المنصور في منامه ويقال: بل هتف به هاتف وهو يقول: أما ورب السكون والحرك إن المنايا كثيرة الشرك عليك يا نفس إن أسأت وإن أحسنت يا نفس كان ذاك لك ما اختلف الليل والنهار ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل السلطان عن ملك إذا انقضى ملكه إلى ملك حتى يصيرانه إلى ملك ما عز سلطانه بمشترك ذاك بديع السماء والأرض والمر سي لجبال المسخر الفلك فقال المنصور: هذا أوان حضور أجلي وانقضاء عمري. وكان قد رأى قبل ذلك في قصره الخلد الذي بناه وتأنق فيه مناما أفزعه فقال للربيع: ويحك يا ربيع ! لقد رأيت مناما هالني، رأيت قائلا وقف في باب هذا القصر وهو يقول: كأني بهذا القصر قد باد أهله وأوحش منه أهله ومنازله وصار رئيس القصر من بعد بهجة إلى جدث يبني عليه جنادله فما أقام في الخلد إلا أقل من سنة حتى مرض في طريق الحج، ودخل مكة مدنفا ثقيلا. وكانت وفاته ليلة السبت لست، وقيل: لسبع مضين من ذي الحجة، وكان آخر ما تكلم به أن قال: اللهم بارك لي في لقائك. وقيل: إنه قال: يا رب إن كنت عصيتك في أمور كثيرة فقد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا الله مخلصا. ثم مات.. 📊 المصدرالبداية والنهاية لابن كثير.. ▬▬▬▬▬▬▬▬▬ #قصة_و_عبرة بين الحقيقة والخيال

تم النسخ
احصل عليه من Google Play