لكـنَّ.الله.يَـرانـي. قبلَ سنة كان ابني الصَّغيرُ في الخامسة من العُمر ، وكنا حديثي عهد بجيران في بنائنا ، وكان لهم طفلٌ في نحو سنِّ ولدي ، فطلبوا منه الدخولَ عندهم ليلعبَ مع ابنهم ، استجبتُ لطلبهم ، وسمحتُ لأحمدَ باللعب عندهم ، وأوصيتُه ببعض الأمور ؛ خشيةَ أن يسبِّبَ لهم إزعاجًا ما ، وكان مما أوصيتُه به : أن يلعبَ بهدوء بلا ضَجيج ، وألاَّ يطلبَ منهم شيئًا ، ولا يأكلَ عندهم طعامًا. ▪️وفي أحد الأيام كان أحمدُ يلعب في دارهم ، وحانَ وقت الغداء ، ووُضعت المائدة ، ودُعي ليُشاركَهُم الطعام ، فاعتذرَ منهم بأدب ، وحينما ألحُّوا عليه وأكثَروا ، صارحَهُم بالأمر قائلاً : أمي لا تسمَحُ لي. فقال له جارُنا مازحًا : إن أمَّكَ لا تراك الآنَ ؟ فأجابه أحمـدُ بثقة ويقين : لكنَّ الله يَراني!! 📑 في صباح اليوم التالي قصَّت عليَّ جارتي الخبر ، تملؤها السعادةُ والدهشةُ معًا من موقف رفيق طفلها الجديد ! #أجل ، إن الأطفالَ كالأرض الخِصْبَة ، إذا أُلقيَت فيها البذورُ الصالحة أنبتت نباتًا حَسَنًا ، وأخرجَت ثمرًا يانعًا ، وإذا تُركَت وأُهملَت نبتت فيها الأشواكُ القبيحة المؤذية. 👈 والتربيةُ السليمةُ تبدأ من لحظة قُدوم الطفل إلى الدنيا ؛ فهو كالإسفَنجَة ، يمتصُّ كل ما يمرُّ به ، بلا تمييز بين غثٍّ وسَمين ، ونافع وضار ، وهو يتلقَّى ما يدورُ حوله ، ولو كان في ظاهره مشغولاً بألعابه وعالمه الخاص ؛ لذلك كان أهمَّ وأَولى ما يجبُ أن يُزرعَ في نفس الطفل : محبةُ الله ، ومراقبتُه في السرِّ والعَلَن.