يروي أحدهم فيقول: في عام 2001م كنت في المدينة النبوية، كنت فرحا بزيارتي لها، أتنشق عبير أرضها؛ وطيبة طيبة أهلها. حان موعد صلاة الظهر، توضأت ونزلت إلى المسجد النبوي، دخلت توسعة الحرم النبوي، فرأيت رجلا سودانيا كنيته:أبو مالك وجهه ضاحك وبشوش، دائم البسمة، وجهه يشع نورا، أحببته في الله بمجرد النظر إليه، عنده همة تتوقد، يقرئ القرآن ولا يَمَلُّ، فإذا ألقيتَ عليه السلام يرد السلام؛ يُجْلِسُكَ ويقول: اقرأ عَلَيَّ سورةَ الفاتحة، يصحح لك الأخطاء في التلاوة، فإذا فَرَغَ أخذ يذكر ربه... : قلت له: يا شيخ؛ هل حصل معك موقف أثَّر في نفسك؟. قال: نعم؛ ومؤثر جدا لن أنساه أبدا ما حَييت. قلت: هاتها. قال أبو مالك:جاءني رجل في أول الثمانين، طلب مني حفظَ كتاب الله، فقلت له: يا والدي؛ أنت مُسِنٌّ، وحِفْظُكَ صعب....!!! قام المُسِنّ غاضبا وقال: لن أسامحك؛ وسأُحاجِجُك بهذه الكلمات أمام ربي، أريد لقاء الله وكلامه في صدري، ثم ذهب. -ناداه أبو مالك: يا والدي على الرأس والعين؛ لك كل الوقت، لك كل ما تريد. سُرَّ الرجل المُسِن. بدأ أبو مالك مشوار التحفيظ للعَمّ المُسِن، مَرَّة يحفظ آية، ومرة يحفظ صفحة، ومرة لا يحضر، ومرة إذا حضر لا يحفظ شيئا، فإذا لم يحضر سأل عنه لِمَ لَمْ يحضر. بعد سنوات استطاع الرجل المُسِن حِفظَ كتاب الله تعالى وكان عمره ناهز وقتها 86 عاما. حدثني أبو مالك: أن الرجل المُسِنّ كان يبكي فرحا، ويبتسم، أنهى سورة الناس ثم الفاتحة ثم أوائل سورة البقرة ثم سجد لله باكيا. : قال أبو مالك: فكانت له آخر سجدة سجدها لم يقم بعدها...!!! قال أبو مالك: والله لا أدري؛ أأبكي فرحة له، أم أبكي حسرة على نفسي ولفراقي لجلساته. لله درُّه؛ هِمَّة متوقدة، وضع هدفا نصب عينيه، ولم يلتفت للمثبطين، ولله در الشيخ أبي مالك السوداني _رحمه الله حيا وميتا_ وضع يده بيد أخيه ليوصله إلى نهاية الطريق فجزاه الله كل خير. *الحكمــــــه* رامي الرماح لا تهمه سرعة الرياح؛ بل يجري معها ليصيب الأهداف الصحاح.