أولئك الذين يعزفون أهازيج الأمل عندما يستفحل اليأس من حولهم، يحاولون عقد هدنة سلام مع مصاعب الحياة ليستخلصوا المعنى المختبئ فيها، يتخطون بخفة وبخطوات رشيقة أحزانهم النائمة وجروحهم الغافية كي لا يوقظوها، أولئك الذين يربون العزيمة والإرادة في داخلهم لعلمهم أنها خير زاد للطريق، يغضون الطرف عن ما يثنيهم عن أهدافهم لعلمهم أن لكل شيء ثمين ضريبة، وضريبة الأهداف السامية الصبر، والجلادة، والإصرار.. أولئك الذين أذاقتهم الحياة مرارة غربتها فشربوها على مضض، ثم صنعوا منها مذاقا حلوا تستعذبه أرواحهم، سلكوا الدروب الطويلة، وتحملوا المصاعب الثقيلة، وكان ما يشد من أزرهم هو ثقتهم بتلك القوة العظمى التي يملكها خالق هذا الكون العظيم، لم يطرقوا أبواب البشر، لم يسألوا الناس شيئا، لكن لجأوا إلى ربهم وحده وطرقوا أعظم باب، لم يوجهوا وجوههم لما ارتحل إليه غيرهم وإلى الله وحده وجهوا الركاب، قصدوه في ضعفهم فكان لهم السند، سألوه الوجهة في شتاتهم فكان لهم البوصلة، رجوه الغيث عندما أجدبت أراضيهم فأمطرهم بكريم عطائه، وجزيل نعمائه، فعادت واحاتهم خضراء باسمة، بأشجار باسقة، وألبسهم بفضله ثياب الهناء، والعز، والاكتفاء.. أولئك الذين يلمحون بصيص النور في الظلام، ويلوحون للبشری بين الزحام، وغالبون أنفسهم كي لا تغلبهم الأيام.. أولئك المرابطون على جبهة الحياة.. ما أعظمهم..!