كان مستر جونز قد وجد نفسه في موقف حساس، ولم يستطع أن يجازف ببراءة الصبي أو أن يشعره بالحرمان.. لم يتردد كثيرا.. وبالمثل لم يتردد المؤلف.. قال بصوت مبحوح للطفلة وهو يجمع حلوي النعناع ويضعها في الدرج: ـ بل هو زائد قليلا.. لك نقود باقية ودس في يدها الصغيرة بعض قطع العملة، فقالت في رضا: ـ شكرا ياسيدي.. سأخبر كل صديقاتي عنك! وغادرت المحل مع أخيها.. هنا وثبت زوجته من حيث جلست تتابع هذا الموقف وصاحت في توحش: ـ هل تعرف ثمن السمك الذي أخذته هذه الطفلة؟.. إنه يقترب من خُمس رأس مالنا! قال لها وهو يرمق الصغيرين يهرعان تحت شمس الطريق: ـ أرجو أن تصمتي.. لقد كان هناك دين يثقل كاهلي علي مدي خمسة وعشرين عاما نحو عجوز يدعي مستر جونز، وقد سددته الآن!! انتهت القصة.. لو لم تجدها جميلة أو لم تشعر بقشعريرة وأنت تقرؤها، فالعيب يعود إلي تلخيصي لها. هذه المقالات لاتلخص وإنما تعاش. الآن فكر في هذا جيدا.. سوف تكتشف أن نسيجك الأخلاقي يتكون من عشرات بل مئات المواقف التي اجتزتها مع والديك أو معلميك، وهذه المواقف تركت لك في كل مرة دينا يجب أن تفي به. كثيرا ماننسي هذا الدين.. ولاتحسب الأمر سهلا.. عندما بكيت أمام أبي لأنني لاأذكر شيئا من منهج الجغرافيا والتاريخ ليلة الامتحان، وضع يده علي كتفي وجلس يراجع لي المنهج حتي مابعد منتصف الليل.. عندما تكرر ذات الموقف مع ابني اعتبرته مستهترا. المصري الذي استضافني أسبوعين كاملين في بيته في ذلك البلد العربي إلي أن وجدت شقة، وبرغم هذا عندما استأجرت شقة صار من الصعب أن أستضيف معي شخصا لاأعرفه. الأستاذ الذي أشرف علي رسالتي العلمية الأولي، صادف الكثير من الأخطاء في المراجع فأصلحها ولم يعلق، بينما انفجرت أنا غيظا عندما رأيت أخطاء المراجع في أول رسالة أشرف عليها في حياتي. لكني أحاول أن أتصرف مثل الأستاذ الأول.. أحاول.. ميراث لاينقطع.. وما ستفعله بمن هم أصغر منك سوف يكررونه مع من هم أصغر منهم عندما يكبرون.. بل ربما يكررونه معك أنت.. ___ من مقال المختار من المختار #د_احمدخالدتوفيق.