كنت رابع ولد وُلد، ولم يكن أبي يحب كثرة الأولاد شعورًا منه بالمسؤولية، ولِما لقي من الحزن العميق في وفاة أختي أبشع وفاة. فقد كان لي أخت في الثانية عشرة من عمرها شاء أبي ألا تستمر في البيت من غير عمل فأرسلها إلى معلمة تتعلم عندها الخياطة والتفصيل والتطريز، وقامت يومًا تعد القهوة لضيوف المعلمة فهبت النار فيها واشتعل شعرها وجسمها وحاولت أن تطفىء نفسها أول الأمر فلم تنجح فصرخت، ولكن لم يدركوها إلا وهي شعلة نار، ثم فارقت الحياة بعد ساعات، وكان ذلك وأنا حَمْلُ في بطن أمي، فتغذيت دمًا حزينًا، ورضعت بعد ولادتي لبنًا حزينًا، واستقبلت عند ولادتي استقبالًا حزينًا، فهل كان لذلك أثر فيما غلب عليَّ من الحزن في حياتي فلا أفرح كما يفرح الناس، ولا أبتهج بالحياة كما يبتهجون؟ علم ذلك عند الله والراسخين في العلم . أحمد أمين من كتابه حياتي