شعر

البارودي في رثاء أمه: لَعَمْرِي لَقَدْ غَالَ الرَّدَى مَنْ أُحِبُّهُ وَ كانَ بودي أنْ أموتَ وَ يسلما وَ أيُّ حياةٍ بعدَ أمًّ فقدتها كَمَا يفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلاَلَ عَلَى الظَّمَا تَوَلَّتْ، فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي، وَعَادَنِي غرامٌ عليها، شفَّ جسمي، وأسقما وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا ذُكْرَةٌ تَبْعَثُ الأَسى وَطَيْفٌ يُوَافِيني إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا وَ كانتْ لعيني قرةً، وَ لمهجتي سرورًا، فخابَ الطرفُ وَ القلبُ منهما فَلَوْلا اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ لقطعتُ نفسي لهفةً وَ تندما فيا خبرًا شفَّ الفؤادَ؛ فأوشكتْ سويدَاؤهُ أنْ تستحيلَ، فتسجما إِلَيْكَ؛ فَقَدْ ثَلَّمْتَ عَرْشًا مُمنَّعًا وَ فللتَ صمصامًا، وَ ذلَّلتَ ضيغما أشادَ بهِ الناعي، وَ كنتُ محاربًا فألقيتُ منْ كفى الحسامَ المصمما وَطَارَتْ بِقَلْبِي لَوْعَةٌ لَوْ أَطَعْتُهَا لأَوْشَكَ رُكْنُ الْمَجْدِ أَنْ يَتَهَدَّمَا وَلَكِنَّنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي، لِأَنْثَنِي عنِ الحربِ محمودَ اللقاءِ مكرما فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الْجُنْدَ صِبْغٌ مِنَ الدُّجَى وَعَادَ كِلاَ الْجَيْشَيْنِ يَرْتَادُ مَجْثِمَا صَرَفْتُ عِنَانِي رَاجِعًا، وَمَدَامِعِي على الخدَّ يفضحنَ الضميرَ المكتما فَيَا أُمَّتَا؛ زَالَ الْعَزَاءُ، وَأَقْبَلَتْ مَصَائِبُ تَنْهَى الْقَلْبَ أَنْ يَتَلَوَّمَا وَكُنْتُ أَرَى الصَّبْرَ الْجَمِيلَ مَثُوبَةً فَصِرْتُ أَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَأْثَمَا وَ كيفَ تلذُّ العيشَ نفسٌ تَدَرَّعتْ منَ الحزنِ ثوبًا بالدموعِ منمنما؟ تألمتُ فقدانَ الأحبةِ جازعًا وَ منْ شَفَّهُ فقدُ الحبيبِ تألما وَ قدْ كنتُ أخشى أنْ أراكِ سقيمةً فكيفَ وَ قدْ أصبحتِ في التربِ أعظما؟ بَلَغْتِ مَدَى تِسْعِينَ فِي خَيْرِ نِعْمَةٍ وَ منْ صَحِبَ الأيامَ دهرًا تهدما إِذَا زَادَ عُمْرُ الْمَرْءِ قَلَّ نَصِيبُهُ منَ العيش وَ النقصانُ آفةُ من نما فيا ليتنا كنا ترابًا، وَ لمْ نكنْ خُلِقْنَا، وَ لمْ نقدمْ إلى الدهرِ مقدما. #البارودي♥️

تم النسخ
احصل عليه من Google Play